كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي هَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْوَاعِ الْعِلْمِ، وَأَعْطَاهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ كَانَ تَرْكُهُمْ لِهِدَايَتِهِ هُوَ الَّذِي سَلَبَهُ ذَلِكَ حَتَّى انْقَلَبَ الْأَمْرُ، وَانْعَكَسَ الْوَضْعُ، وَاتَّبَعُوا سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ، فَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْجَاهِلُ اتَّبَعَ سُنَنَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي طَوْرِ جَهْلِهِمْ مِنَ الْخُرَافَاتِ، وَابْتِدَاعِ الِاحْتِفَالَاتِ، وَتَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَاتِّخَاذِ الْأَرْبَابِ وَالْأَنْدَادِ، كَإِعْطَاءِ حَقِّ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، وَطَلَبِ النَّفْعِ، وَدَفْعِ الضُّرِّ مِنْ دَجَّالِي الْأَحْيَاءِ، وَقُبُورِ الْأَمْوَاتِ، فَغَشِيَهُمْ مَا غَشِيَ أُولَئِكَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ، وَجَعَلَ الدِّينَ عَدُوًّا لِلْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، وَالنَّابِتَةُ الْعَصْرِيَّةُ الْمُتَفَرْنِجَةُ اتَّبَعَتْ سُنَنَ الْمُرْتَدِّينَ الْفَاسِقِينَ مِنْهُمْ فِي شَرِّ مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ طَوْرِ فَسَادِ حَضَارَتِهِمْ، وَقَلَّدُوهُمْ حَتَّى فِيمَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، كَذَلِكَ ضَلَّ الْفَرِيقَانِ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ، وَاشْتَرَكَا فِي إِضَاعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ مُلْكِ الْإِسْلَامِ.
لَا عَالِمَ الشَّرْقِ بِدِينِهِ وَلَا ** مُقْتَبِسَ الْعِلْمِ مِنَ الْغَرْبِ هُدَى

وَأَمَّا الْإِفْرِنْجُ، فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ وَاسِعٍ بِسُنَنِ اللهِ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ وَسَائِرِ أُمُورِ الْكَوْنِ، قَدْ نَالُوا بِهِ مُلْكًا عَظِيمًا فِي الْأَرْضِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَجْهَلُ مَصْدَرَ هَذِهِ السُّنَنِ وَحِكَمَ اللهِ تَعَالَى فِيهَا، وَلَا يَعْتَبِرُونَ حَقَّ الِاعْتِبَارِ بِمَا تَعَقَبَّ الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَهُمْ كَأَقْوَامِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ الَّذِينَ لَمْ تُفِدْهُمُ النِّعِمُ شُكْرَ الرَّبِّ الْمُنْعِمِ، وَلَمْ تُفِدْهُمُ النِّقَمُ تَقْوَى الرَّبِّ الْمُنْتَقِمِ، فَقَدِ اسْتَعْمَلُوا نِعَمَهُ بِالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَتَسْخِيِرِ قُوَى الْعَالَمِ لِاسْتِعْبَادِ الضُّعَفَاءِ، وَالسَّرَفِ فِي فُجُورِ الْأَغْنِيَاءِ، وَالتَّقَاتُلِ عَلَى السُّلْطَانِ وَالثَّرَاءِ؛ وَلِذَلِكَ سَلَّطَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَصَدَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (6: 65) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِهَا (ص 408 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ).
فَعُلِمَ بِمَا ذُكِرَ وَبِغَيْرِهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ لَا يُغْنِي عَنْ هِدَايَةِ الدِّينِ الَّتِي تُوقِفُ أَهْوَاءَ الْبَشَرِ وَمَطَامِعَهُمْ أَنْ تَجْمَحَ إِلَى مَا لَا غَايَةَ لَهُ مِنَ الشَّرِّ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ أُمَمِ أُورُبَّةَ بَقِيَّةً قَلِيلَةً مِنْهَا تَتَفَاوَتُ فِي أَفْرَادِهِمْ قُوَّةً وَضَعْفًا لَحَشَرَتْهُمُ الْمَطَامِعُ وَالْأَحْقَادُ صَفًّا صَفًّا، فَدَكُّوا مَعَالِمَ أَرْضِهِمُ الَّتِي بَلَغَتْ مُنْتَهَى الْعُمْرَانِ دَكًّا دَكًّا، فَجَعَلُوهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، بَلْ لَجَعَلُوهَا بَعْدَ دَكِّ صُرُوحِهَا وِهَادًا عَمِيقَةً، وَمَهَاوِيَ سَحِيقَةً، بِقَذَائِفِ الْمَدَافِعِ الضَّخْمَةِ الَّتِي تَشُقُّ الْأَرْضَ شَقًّا، وَتَسْحَقُ مَا فِيهَا سَحْقًا، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَعُوا، فَإِمَّا أَنْ يُجَهِّزُوا وَإِمَّا أَنْ يَنْزَعُوا.
قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (11: 116، 117).
الْقُرُونُ: هِيَ الْأَجْيَالُ وَالشُّعُوبُ، وَأُولُو بَقِيَّةٍ: أَصْحَابُ بَقِيَّةٍ مِنْ دِينٍ وَتَقْوًى وَعَقْلٍ وَحِكْمَةٍ، رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} وَأَحْلَامٍ {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} وَالْأَحْلَامُ: الْعُقُولُ الرَّاجِحَةُ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّحْضِيضِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى النَّفْيُ؛ أَيْ: أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرُونِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ بِالْإِصْلَاحِ الْعَامِّ أَصْحَابُ بَقِيَّةٍ مِنْ دِينِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ حُكَمَاءِ الْعُقَلَاءِ، الَّذِينَ فَسَّرَ بِهِمُ الْآمِرُونَ بِالْعَدْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} (3: 21) وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ، وَاتَّبَعَ الْأَكْثَرُونَ مَا أُتْرِفُوا فِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ؛ أَيْ: أَزَالَ اللهُ مُلْكَهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَبَطَرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ لِلْإِصْلَاحِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَتْبَاعِ هَذَا الْإِتْرَافِ فِي مُلْكِهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْحَقَّ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِ رَبِّكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ الْمُصْلِحُ وَلَا مِنْ سُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ أَنْ يُهْلِكَ الْعَوَاصِمَ وَالْمَدَائِنَ بِظُلْمٍ مِنْهُ أَوْ بِشِرْكٍ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَفِي تَفْسِيرِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} فَقَالَ: وَأَهْلُهَا يُنْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ، عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا أَيْضًا.
وَهَؤُلَاءِ الْبَقِيَّةُ لَا تَخْلُو مِنْهُمْ أُمَّةٌ فَهُمْ حُجَّةُ اللهِ عَلَى الْأَقْوَامِ، وَمَتَى قَلُّوا فِي أُمَّةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، وَقَرُبَ انْتِقَامُ اللهِ مِنْهَا، وَقَدْ شَهِدَ الْقُرْآنُ بِوُجُودِ أُنَاسٍ مِنْهُمْ كَانُوا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَقِلُّونَ فِي أُورُبَّةَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَحْلَامِ مِنْهُمُ الْفَيْلَسُوفُ هِرْبِرْت سِبِنْسَر الْإِنْجِلِيزِيُّ الَّذِي نَهَى الْيَابَانِيِّينَ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِقَوْمِهِ الْإِنْكِلِيزِ عَلَى إِصْلَاحِ بِلَادِهِمْ فِيهَا، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوهَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ حِينَ تَلَاقَيَا بِمَدِينَةِ بِرِيتِنْ (فِي صَيْفِ سَنَةِ 1321- 10 أُغُسْطُسَ سَنَةَ 1903) مَا تَرْجَمَتُهُ: مُحِيَ الْحَقُّ مِنْ عُقُولِ أَهْلِ أُورُبَّةَ، وَاسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهَا الْأَفْكَارُ الْمَادِّيَّةُ فَذَهَبَتِ الْفَضِيلَةُ، وَهَذِهِ الْأَفْكَارُ الْمَادِّيَّةُ ظَهَرَتْ فِي اللَّاتِينَ أَوَّلًا فَأَفْسَدَتِ الْأَخْلَاقَ، وَأَضْعَفَتِ الْفَضِيلَةَ، ثُمَّ سَرَتْ عَدْوَاهَا مِنْهُمْ إِلَى الْإِنْكِلِيزِ، فَهُمُ الْآنَ يَرْجِعُونَ الْقَهْقَرِيَّ بِذَلِكَ، وَسَتَرَى هَذِهِ الْأُمَمَ يَخْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَتَنْتَهِي إِلَى حَرْبٍ طَامَّةٍ لِيَتَبَيَّنَ أَيُّهَا الْأَقْوَى، فَيَكُونُ سُلْطَانَ الْعَالَمِ.
قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: إِنِّي آمِلٌ أَنْ يَحُولَ دُونَ ذَلِكَ هِمَمُ الْحُكَمَاءِ مِثْلِكُمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فِي تَقْرِيرِ مَبَادِئِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَنَصْرِ الْفَضِيلَةِ.
قَالَ الْفَيْلَسُوفُ: وَأَمَّا أَنَا فَلَيْسَ عِنْدِي مِثْلُ هَذَا الْأَمَلِ، فَإِنَّ هَذَا التَّيَّارَ الْمَادِّيَّ لابد أَنْ يَبْلُغَ مَدُّهُ غَايَةَ حَدِّهِ.
وَأَقُولُ: إِنَّنِي ذَاكَرْتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى سِيَاسِيًّا أُورُبِيًّا فِي جِنِيفَ مِنْ بِلَادِ سُوِيسْرَةَ، فَرَأَيْتُهُ يَعْتَقِدُ اعْتِقَادَ سِبِنْسَرَ، بَلْ أَخْبَرَنِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ عُقَلَاءِ أُورُبَّةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فَسَادَ الْأَخْلَاقِ بِالتَّرَفِ الَّذِي أَهْلَكَ الْأُمَمَ الْكُبْرَى كَالْيُونَانِ وَالرُّومَانِ وَالْفُرْسِ وَالْعَرَبِ قَدْ أَوْشَكَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى أُورُبَّةَ، وَسَتَهْلَكُ بِالْحَرْبِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْحَرْبَ الْأَخِيرَةَ، وَمَا هِيَ بِبَعِيدَةٍ، وَنَصَحَ لَنَا بِأَلَّا نُقَلِّدَ أُورُبَّةَ فِي مَدَنِيَّتِهَا الْمَادِّيَّةِ، وَأَنْ نُحَافِظَ عَلَى آدَابِ دِينِنَا وَفَضَائِلِهِ، وَأَنْ نَجْمَعَ كَلِمَتَنَا، وَنَجْعَلَ الزَّعَامَةَ فِينَا لِأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْفَضِيلَةِ مِنَّا، وَنَتَرَبَّصُ الدَّوَائِرَ بِالْأُورُبِّيِّينَ الْمُعْتَدِينَ عَلَيْنَا.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْإِنْسَانَ حَيَوَانٌ إِنْسِيٌّ وَحْشِيٌّ بِجَسَدِهِ، وَمَلِكٌ رُوحَانِيٌّ بِعَقْلِهِ وَرُوحِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكْمُلُ بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَالرُّوحِ، وَيَعْتَدِلُ بِالتَّوَازُنِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِهِدَايَةِ الْإِسْلَامِ الْجَامِعِ لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَشَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا نَصَحْنَا لِزُعَمَاءِ التُّرْكِ الْمَفْتُونِينَ بِمَدِينَةِ الْإِفْرِنْجِ الْمَادِّيَّةِ لِجَهْلِهِمْ بِمَا يَفْتِكُ بِهَا مِنْ دُودِ الْفَسَادِ بِأَنْ يُقِيمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَإِصْلَاحَهُ الَّذِي يَكْفُلُ لَهُمُ الْقُوَّةَ الْمَادِّيَّةَ وَالْعُمْرَانَ، وَيَقِيهِمْ غَوَائِلَ هَذَا الْفَسَادِ كَالْبَلْشَفِيَّةِ الَّتِي ثَلَّتْ عَرْشَ قَيْصَرِيَّةِ الرُّوسِيَّةِ، فَقُلْنَا فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الَّذِي صَنَّفْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافَةِ- أَوِ- الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى مَا نَصُّهُ: أَيُّهَا الشَّعْبُ التُّرْكِيُّ الْحَيُّ! إِنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ قُوَّةً مَعْنَوِيَّةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُحْيِيَ مَدِينَةَ الشَّرْقِ، وَيُنِقُذَ مَدِينَةَ الْغَرْبِ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَبْقَى إِلَّا بِالْفَضِيلَةِ، وَالْفَضِيلَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالدِّينِ، وَلَا يُوجَدُ دِينٌ يَتَّفِقُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْمَدَنِيَّةِ إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَإِنَّمَا عَاشَتِ الْمَدَنِيَّةُ الْغَرْبِيَّةُ هَذِهِ الْقُرُونَ بِمَا كَانَ فِيهَا مِنَ التَّوَازُنِ بَيْنَ بَقَايَا الْفَضَائِلِ الْمَسِيحِيَّةِ مَعَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعِلْمِ الِاسْتِقْلَالِيِّ وَالتَّعَالِيمِ الْكَنَسِيَّةِ، فَإِنَّ الْأُمُمَ لَا تَنْسَلُّ مِنْ فَضَائِلِ دِينِهَا، بِمُجَرَّدِ طُرُوءِ الشَّكِّ فِي عَقَائِدِهِ عَلَى أَذْهَانِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالتَّدْرِيجِ فِي عِدَّةِ أَجْيَالٍ، وَقَدِ انْتَهَى التَّنَازُعُ، بِفَقْدِ ذَلِكَ التَّوَازُنِ، وَأَصْبَحَ الدِّينُ وَالْحَضَارَةُ عَلَى خَطَرِ الزَّوَالِ، وَاشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْبَشَرِ إِلَى إِصْلَاحٍ رُوحِيٍّ مَدَنِيٍّ ثَابِتِ الْأَرْكَانِ، يَزُولُ بِهِ اسْتِعْبَادُ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ، وَاسْتِذْلَالُ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفَقْرِ، وَخَطَرُ الْبَلْشَفِيَّةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَيُبْطِلُ بِهِ امْتِيَازَ الْأَجْنَاسِ، لِتَحَقُّقِ الْأُخُوَّةِ الْعَامَّةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِحُكُومَةِ الْإِسْلَامِ، الَّتِي بَيَّنَّاهَا بِالْإِجْمَالِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى تَفْصِيلِهَا، إِذَا وَفَّقَ اللهُ لِلْعَمَلِ بِهَا.
أَيُّهَا الشَّعْبُ التُّرْكِيُّ الْبَاسِلُ، إِنَّكَ الْيَوْمَ أَقْدَرُ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى أَنْ تُحَقِّقَ لِلْبَشَرِ هَذِهِ الْأُمْنِيَةَ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ؛ لِتَأْسِيسِ مَجْدٍ إِنْسَانِيٍّ خَالِدٍ، لَا يُذْكَرُ مَعَهُ مَجْدُكَ الْحَرْبِيُّ التَّالِدُ، وَلَا يَجْرِّمَنَّكَ الْمُتَفَرْنِجُونَ عَلَى تَقْلِيدِ الْإِفْرِنْجِ فِي سِيرَتِهِمْ، وَأَنْتَ أَهْلٌ لِأَنْ تَكُونَ إِمَامًا لَهُمْ بِمَدَنِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ مَدَنِيَّتِهِمْ، وَمَا ثَمَّ إِلَّا الْمَدَنِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الثَّابِتَةُ قَوَاعِدُهَا الْمَعْقُولَةُ عَلَى أَسَاسِ الْعَقِيدَةِ الدِّينِيَّةِ، فَلَا تُزَلْزِلُهَا النَّظَرِيَّاتُ الَّتِي تَعْبَثُ بِالْعُمْرَانِ، وَتُفْسِدُ نُظُمَ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى النَّاسِ.
نَصَحْنَا لِلشَّعْبِ التُّرْكِيِّ بِهَذَا، وَلَكِنَّ زُعَمَاءَهُ الْكَمَالِيِّينَ الْيَوْمَ كَزُعَمَائِهِ الِاتِّحَادِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَدْ فُتِنُوا بِهَذِهِ الْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَجَهِلُوا كُنْهَ الْإِسْلَامِ وَالْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْهِمْ بَيَانَهَا، وَأَنْذَرْنَاهُمْ عَذَابَ اللهِ بِإِهْمَالِهَا، فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ، وَطَفِقُوا يَطْمِسُونَ مَا بَقِيَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي حُكُومَتِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ، وَسَنَرَى مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا كَانَ مَسْتُورًا مِنْ فَسَادِ سَرِيرَتِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمْ صَلَاحَ الْحَالِ، وَحُسْنَ الْمَآلِ.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} لَمَّا بَيَّنَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَخْذَهُ لِأَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ؛ بَيَّنَ لِأَهْلِ أُمِّ الْقُرَى- مَكَّةَ- وَلِسَائِرِ النَّاسِ مَا كَانَ يَكُونُ مِنْ إِغْدَاقِ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِالرُّسُلِ، وَاعْتَبَرُوا بِالسُّنَنِ، فَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} أَيْ: آمَنُوا بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُهُمْ مِنْ عِبَادَةٍ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاتَّقَوْا مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي كَارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ: لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَتَحْنَا بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْفَتْحِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّفْتِيحِ الدَّالِّ عَلَى الْكَثْرَةِ، وَالْمَعْنَى: لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَنْوَاعًا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَعْهَدُوهَا مُجْتَمِعَةً وَلَا مُتَفَرِّقَةً، فَإِذَا أُرِيدَ بِبَرَكَاتِ السَّمَاءِ مَعَارِفُ الْوَحْيِ الْعَقْلِيَّةُ، وَأَنْوَارُ الْإِيمَانِ الرُّوحَانِيَّةُ، وَنَفَحَاتُ الْإِلْهَامَاتِ الرَّبَّانِيَّةُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ فَائِدَةَ الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ تَكُونُ تَكْمِيلَ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ رُوحًا وَجَسَدًا، وَغَايَتُهُ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ- الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ- وَإِذَا أُرِيدَ بِبَرَكَاتِ السَّمَاءِ الْمَطَرُ، وَبِبَرَكَاتِ الْأَرْضِ النَّبَاتُ، كَمَا قِيلَ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهَا أَبْوَابُ نِعَمٍ لَا تَكُونُ بَرَكَاتٍ لَهُمْ غَيْرَ الَّتِي عَهِدُوهَا فِي صِفَاتِهَا وَنَمَائِهَا وَثَبَاتِهَا وَحَالَتِهِمْ فِيهَا وَأَثَرِهَا فِيهِمْ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ بَرَكَاتٍ، فَإِنَّ مَادَّةَ الْبَرَكَةِ تَدُلُّ عَلَى السَّعَةِ وَالزَّكَاءِ مِنْ بِرْكَةِ الْمَاءِ، وَعَلَى الثَّابِتِ وَالِاسْتِقْرَارِ مِنْ بَرَكَ الْبَعِيرُ، أَلَمْ تَقْرَأْ أَوْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ هُودٍ: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (11: 84) فَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْبَرَكَاتِ، وَجَعَلَ نِعْمَةَ الدُّنْيَا مَتَاعًا مُؤَقَّتًا لِلْكَافِرِينَ يَتْلُوهُ الْعَذَابُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْهُمْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ، رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي تِلْكَ الْبَرَكَاتِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَفِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ كُلُّ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يَعْنِي مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ، أَوْجَبَ لَهُمُ الْبَرَكَاتِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللهِ مِنَ السَّعَادَةِ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ يَعْنِي مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللهِ مِنَ الشَّقَاوَةِ.
فَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْقُرْآنِ: أَنَّ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ وَدِينَ الْحَقِّ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَنِعْمَتِهَا بِالْحَقِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْمَادِّيِّ مِنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (6: 44) فَذَلِكَ الْفَتْحُ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ لِحَالِهِمْ، كَانَ أَثَرُهُ فِيهِمْ فَرَحَ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ بَدَلًا مِنَ الشُّكْرِ، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ الْإِلَهِيُّ فَكَانَ نِقْمَةً لَا نِعْمَةً، وَفِتْنَةً لَا بَرَكَةً.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ: فَإِنَّ مَا يُفْتَحُ عَلَيْهِمْ يَكُونُ بَرَكَةً وَنِعْمَةً، وَيَكُونُ أَثَرُهُ فِيهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ، وَالرِّضَا مِنْهُ، وَالِاغْتِبَاطَ بِفَضْلِهِ، وَاسْتِعْمَالَهُ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ، وَفِي الْإِصْلَاحِ دُونَ الْإِفْسَادِ، وَيَكُونُ جَزَاؤُهُمْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى زِيَادَةَ النِّعَمِ وَنُمُوَّهَا فِي الدُّنْيَا، وَحُسْنَ الثَّوَابِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْفَتْحَيْنِ يُؤْخَذُ مِنْ جَعْلِ هَذَا مِنَ الْبَرَكَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَمِنْ تَنْكِيرِهِ الدَّالِّ عَلَى أَنْوَاعٍ لَمْ يَعْهَدْهَا الْكُفَّارُ.
وَمِمَّا وَرَدَ فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ هِدَايَةِ الْإِيمَانِ الْجَمْعُ بَيْنَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى خِطَابًا لِلْبَشَرِ مُوَجَّهًا لِأَبَوَيْهِمْ مِنْ قِصَّةِ آدَمَ فِي سُورَةِ طَهَ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (20: 123، 124) وَقَوْلُهُ فِي خِطَابِ بَنِي آدَمَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّتِهِ الْمُبَيِّنَةِ لِخَوَاصِّ هَذَا النَّوْعِ، وَحِكَمِ اللهِ فِي خَلْقِهِ، وَالْأُصُولِ الْعَامَّةِ لِدِينِ الرُّسُلِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ لِهِدَايَتِهِ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (31، 32).